کد مطلب:323814 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:361

علماء أوربا و البحث عن الانسان
و قبل أن نعرض لآیات من الاعجاز القرآنی التی خاطبت الفطرة الانسانیة، نذكر أولا فی الرد علی البهائیین، ما كتبه العالم الأوربی الأمر یكی الدكتور «الكسیس كاریل» صاحب كتاب «الانسان ذلك المجهول» و لنترك له الكلمات لیعرفنا بنفسه: [1] .

«لست فیلسوفا، و لكنی رجل علم فقط، قضیت الشطر الأكبر من حیاتی فی المعمل، أدرس الكائنات الحیة، و الشطر الباقی فی العالم الفسیح، أراقب بنی الانسان و أحاول أن أفهمهم.. و مع ذلك فاننی لا أدعی أننی أعالج أمورا خارج نطاق حقل الملاحظات العلمیة.

«اننی احاول أن أصف فی هذا الكتاب ما هو معروف بعد أن أفصله بكل وضوح عن كل مدیح. كما اعترف بوجود المجهول غیر المعروف.
«و لقد اعتبرت «الانسان» ملخصا للملاحضات و التجارب، فی جمیع الاوقات و البلدان، بید أننی لم أصف الا ما رأیته بناظری، أو عرفته مباشرة من أولئك الذین كنت علی صلة بهم. و كان من حسن حظی، أن سمح لی مركزی بأن أدرس - دون بذل أی مجهود، أو الطمع فی أی ثناء - ظواهر الحیاة فی تعقیدها المخیف. فلاحظت كل وجه من وجوه النشاط البشری بصفة عملیة، كما أننی ملم بكل ما یكتنف الفقیر و الغنی، الصحیح و السقیم، المتعلم و الجاهل، ضعیف العقل و المجنون، الذكی و المجرم... الخ. كذلك فأننی أعرف الفلاحین و العمال، الكتبة و أصحاب المتاجر، المالیین و أصحاب المصانع، الساسة و رجال الحكم، الجنود و أساتذة و أساتذة الجامعات، المدرسین و رجال الدین، البرجوازیین و الأرستقراطیین.. و لقد ألقت بی الظروف فی طریق الفلاسفة و الفنانین، و الشعراء و العلماء، و العباقرة و القدیسین.. كما درست فی الوقت نفسه التركیب المیكانیكی الغائر فی أعماق الانسجة و تلافیف المخ، الذی هو فی الحقیقة الأساس العمیق للظواهر العضویة و العقلیة.

«اننی مدین لفنون الحیاة العصریة، لأنها مكنتنی من مشاهدة هذا المنظر العظیم، كما أتاحت لی فرصة توجیه انتباهی الی عدة موضوعات فی وقت واحد.. اننی أعیش فی العالم الجدید و القدیم أیضا.. و أمتاز بأننی أقضی معظم وقتی فی «معهد روكفلر للبحث الطبی» كواحد من العلماء الذین جمعهم «سیمون فلكستر» معا فی هذا المعهد.. فهناك أفكر فی ظواهر الحیاة حینما یحللها الخبراء الذین لا یبارون، أمثال «ملتزر» و «جاك لویب» و «نجییوشی»، و كثیرون غیرهم. و لما اتصف به «فلكستر» من عبقریة و نبوغ، فقد درست الكائنات الحیة بنظرة فسیحة الأفق، بشكل لم یسبق له مثیل - فالمادة تفحص و تستقصی فی كل قسم من معامل هذا المعهد، بحثا عن ارتقائها و تطورها من ناحیة صنع الانسان.

«و بمساعدة أشعة اكس یكشف علماء الطبیعة عن بناء جزیئات مواد
أنسجتنا الأكثر بساطة - أی العلاقات الاتساعیة للذرات التی تدخل فی تركیب هذه الجزیئات - و یعكف الكیماویون، و الكیمائیون الطبیعیون، علی تحلیل المواد الأكثر تعقیدا، التی توجد یداخل الجسم، كهیموجلوبین الدم و روتینات الأنسجة، و أخلاط الجسم، و التخمرات التی تسبب ذلك الانقسام المستمر، و ایجاد ذلك المجموع الكلی الهائل من الذرات.

«و هناك كیماویون آخرون لم یقصروا اهتمامهم فی تركیبات الجزیئات وحدها، و انما انصرفوا الی التفكیر فی علاقات تلك التركیبات احداها بالأخری، عندما تدخل عصارات الجسم.. أو باختصار.. ذلك التعادل الطبیعی - الكیماوی الذی یحفظ دائما تركیب مصل الدم، بالرغم من التغیر الذی یطرا علی الأنسجة بصفة مستمرة.

«و هكذا ألقی الضوء علی الجوانب الكیماویة للظاهرة الفسیولوجیة، لأن كثیرین من علماء وظائف الأعضاء یدرسون - مستعینین فی ذلك بفنون شدیدة الاختلاف - التركیبات الأكبر التی تنتج من مجموع الجزئیات و ترتیبها، كذا خلایا الأنسجة و الدم، أو بمعنی آخر: مادة الحیاة نفسها.. انهم یختبرون هذه الخلایا، و طرق اتحادها، و القوانین التی تحكم علاقاتها بما یحیط بها، و تأثیر الوسط الكونی علی هذا المجموع، كذا تأثیرات المواد الكیماویة علی الأنسجة و الشعور.

«و هناك أخصائیون آخرون، وقفوا أنفسهم علی البحث فی تلك الكائنات الضئیلة: الفیروس و البكتریا، التی تعزی اصابتنا بالأمراض المعدیة الی وجودها فی دمنا. كذا الوسائل الرائعة التی یستخدمها الجسم فی مقاومتها.. و أیضا الأمراض القتالة كالسرطان، و أمراض القلب، و التهاب الكلی.

و اخیرا فان مشكلة «الفردیة» [2] الخطیرة، و أساسها الكیماوی تهاجم الآن بنجاح.
«و قد اتیحت لی فرصة استثنائیة للاستماع الی رجال عظماء تخصصوا فی هذه الأبحاث، و تتبع النتائج التی أسفرت عنها تجاربهم.. و هكذا بدت لی الجهود التی تبذلها المادة الجامدة فی نظام الجسم، و خواص الكائنات الحیة، و تناسق جسمنا و عقلنا.. بدت لی هذه الأشیاء فی أوج جمالها.

و علاوة علی ذلك فقد درست أكثر الموضوعات المختلفة، من الجراحة، الی فسیولوجیة الخلیة، الی المیتافیزیقا [3] و لقد كان ذلك مستطاعا بسبب التسهیلات التی وضعت لأول مرة تحت تصرف العلم لكی یؤدی رسالته» [4] .

هذا الرجل الذی اتیحت له فرصة الانتفاع بكل هذه التیسیرات، و الذی أطلع علی نتائج هذه البحوث مجتمعة حول «الانسان» هو الذی یصدر بعد ذلك كتابا یسمیه «الانسان ذلك المجهول» [5] و الذی یقرر ان حقیقة علمنا عن الانسان لا شی ء! و أننا نعیش فی «جهل مطبق» بهذا الكائن، الذی هو نحن!


[1] سيد قطب: السابق، ص 87.

[2] كون كل فرد انساني له خصائص ذانية - غير الخصائص الانسانية الانسانية المشتركة - تجعله كائنا بذاته أو عالما بذاته.

[3] هو علم ما وراء الطبيعة.

[4] الانسان ذلك المجهول، ص 8 - 5.

[5] تعريب شفيق اسعد فريد. منشورات مكتبة المعارف بيروت - سيد قطب السابق ص 12.